قصة قصيرة
ما حدث للشاب " منسي" .. لا يخطر على بال .. مصيبة وكارثة أضخم من سقوط جاموسة في بئر .. مدوية .. مؤلمة .. جميعنا نعرفها .. وجميعنا أصبحنا ندير وجهنا حينما نقابله ..
الفاجعة جعلت من ليالي " منسي " صورة متكررة .. وحدة .. قشعريرة .. خوف من النهار .. ولكن هذه الليلة تختلف .. فهي ذكري الكارثة السنوي ..
وحدة باردة متجمدة تعرضنا لها في أحيان عديدة .. أتذكر ليالي شبيه تعرضت فيها للفحة هواء باردة ، لسعتني وهي تخترق طريقها وصولا إلى عظامي .
زمجرة هواء يتلوي في حرية بين جنبات رصيف محطة القطار .. أسوارها تهدمت مع جانب من حائط حجرة الناظر.. اختلطت بصفير يصم الآذان قادم من ناحية غابات "الهيش" وأعواد الذرة وأعمدة الكهرباء والتلغراف الخشبية .. صفير يقشعر له الأبدان ، ويثير الكثير من الخوف والأفكار الشوءم.
كل تلك المثيرات تعرض لها " منسي" بمفرده .. وهو جالس متكور فوق الرصيف.. جلبابه ملىء بالرقع الملونة .. شعر رأسه اغتسل باللون الأبيض .. لحية الطويلة توحي لمن يراه بأنه رجل في الخمسين ، رغم انه لم يتعد بعد الثلاثين من عمره .
ظهرت علي ملامحه حالة من العصبية والقلق ، انعكست في لمعة عينيه الغائرتين .. وفي تشويح يديه وهو يقف فجأة في تحدي للرياح .. ضاغطا بأسنانه علي شفته السفلي .. سكت .. صمت .. حرك شفاهه بصعوبة .. كأنه يحمل سر الحياة ..
بحث عن احد يكلمه .. ولكن مع من يتكلم ؟؟
ليلتها خلت المحطة من المتسكعين ، ومحبي السهر المجاني من أهل القرية ، ممن لا يملكون ثمن كوب الشاي أو السحلب في غرزة المعلمة " بدرية" .. يستقر بهم المطاف وتقودهم أقدامهم إلى المحطة .. فلا احد بها يطلب ثمن الجلوس أو السهر .. حتى لو وجد المتسكعون ، فان " منسي " يشعر بينهم بالغربة .. بالتجريح .. فالعادة والفراغ جعلهم يجيئون لرصيف المحطة ، ليقضوا لياليهم بالتندر من منسي ومن حكايته التي حفظوها منذ زمن .. يسخرون أول الأمر ثم يتبرمون منه بعد ذلك ، ومع إلحاحه على ضرورة سماع قصته للنهاية ، ينصرفون تاركينه وحيدا .
فى تلك الليلة خلت المحطة مبكرا من هؤلاء المتسكعين على غير العادة.. ووجد "منسى" نفسه وحيدا مع رجل غريب " أهطل" و"غفير محطة" دائم النعاس والنوم ، و"محولجى" يغلق حجرته علي نفسه ، وبعض الكلاب الضالة ..
ظل يروح ويجيء فوق الرصيف وشفتاه ترتعشان كالمجنون ، وسط ضوء باهت .. خافت تسرب من مصباح عمود كهرباء تجمعت حوله الحشرات الطائرة ، ضوء لا يقوى على مجابهة العتمة الشديدة التي تحيط بالمكان .
الضوء الباهت والصمت المطبق علي المكان وزمجرة الرياح ، دفعوا " منسي " إلى أن يجثو على ركبتيه أمام الرجل "الأهطل" المستند بظهره على بقايا سور الرصيف ، كان مستندا منذ فترة طويلة قد تقاس بالشهور ، لم يعرف أهل القرية بالضبط من هو !! ومن أين جاء للقرية !! كل ما يعرفونه انه جاء إلى المحطة مع احد القطارات.
من شدة التأثر كان " منسي " يتحدث إلى الأهطل بكل جدية ودأب .. رغم الابتسامة البلهاء المحفورة علي وجهه المغطي بالأتربة ، وعيناه الباردتين اللتين تظهران بالكاد من بين شعر كثيف .. كل ذلك لم يكن في حسبان "منسى" ، فكل ما يرعاه أحد يستمع إلي حكايته ، ويتظاهر معه بالتعاطف .
- من أسبوع مات وشبع موت - انهمك منسي في الكلام - أقولك أحكى لك الحكاية من الأول .. أنت طبعا لا تعرف والدي ، كبس المرض فوق صدره منذ فترة طويلة .. مرض الربو .. ومع الأيام زحف عليه مرض الطحال ، ومن سنتين استقر في المستشفى ،لا يسمحون بخروجه إلا أسبوع واحد في الشهر والأعياد والمواسم .. أهل قريتنا طيبين في البداية كانوا يزوروه ، وبعد فترة ملوا ونسوه ، وحينما كانت تأتي سيرته أمامهم ، يدعون الله بان يخلصه من هذا العذاب ، وطبعا أنت فاهم الخلاص يعنى إيه.
فجأة أنفعل "منسى" على "الأهطل" بعد أن أنهمك مبتعدا عنه في مطاردة الناموس من فوق وجهه ..
- بعدين يا أخي اسكت .. اصمت وأترك الناموس ، أحنا وصلنا عند أيه .. أمي كانت مثل أهل القرية طيبة ، رغم طول لسانها والزعيق المستمر إلى والدي فى الفاضي والمليان .. في أول مرضه كانت تصاحبه إلى المستشفى الموجودة "بالبندر" ، وبعد أن تقرر مكوثه فيها طويلا ، كانت تدبح الفراخ والبط وترسله مع أخي الكبير " المحولجي " ، ومع طول فترة العلاج أصبحت لا تخاطر بالأكل والفلوس ، وتزوره كل فترة مثل أهل القرية .
شعر منسي أن الأهطل لا يعيره ادني اهتمام ، بعد أن لاحظ اتساع الابتسامة المحفورة في وجهه، التي أخذت تكبر وتكبر حتى ملأت وجهه ، وهو يقوم بكل جديه في اصطياد الناموس والحشرات من فوق وجهه وشعره الملبد بالطين ..
نهض من مكانه بعد أن اقسم بأن يترك الأهطل وحيدا فى هذا البرد القارص .. اخذ يتطلع حوله لعله يجد من يستمع إلى حكايته بتعاطف ، تلفت حتى لمح غفير المحطة ، جالس بجوار حجرة الناظر الملاصقة للمصلية ، وبقايا نار تتهادى أمامه وبندقيته القديمة المتهالكة ملقاة بجواره على كومة من القش .
حينما رآه الغفير وهو يتجه ناحيته ، بادرة بقوله :-
- مش عاوز وجع دماغ الليلة ، أنا محتاج أنام شوية.
امتعض منسى وقال :-
- انا لن اوجع دماغك ، انا سوف احكى لك حكايتي .
لم يرد عليه الغفير ، لأن حالة من الاسترخاء كانت تنساب فى جسده الفارع ، جعلته يمدد ساقيه أمامه ، ويميل رأسه الضخمة على جدار حجرة الناظر ، مستسلما لنوبة النوم .. بينما أخذ منسي يحكي..
- لقد مات وشبع موت ، أقولك احكي لك الحكاية من البداية ، أنت عارف اخوي الكبير ، كان يشتغل معك في محطة القطار " محولجى" ، كان قلبه طيب زى الحليب ، رغم تكشيرة وجهه وجسمه الممتلئ .. ترك المدرسة واشتغل لكي يساعد ويساند والدي في مصاريفنا .. حصلت على شهادة الدبلوم واشتغلت فى البندر القريب من قريتنا.
شخط منسي في الغفير " اصحي يا آخى أنت نمت ولا اية " .. بصعوبة رفع جفنيه ..
- اخويا كان يغضب من أمي ، من زعيقها المستمر لوالدي المريض .. حاول منعها من الذهاب والمبيت فى المستشفى.. كان يرعاه بالنهار فترة تواجدي فى عملي ، وفي الليل يذهب هو إلى شغله بمحطة القطار .. كان أهل القرية يحبونه رغم صغر سنه ... اصحي يا أخي نمت .
نهض منسى من مكانه ، والقلق ما زال واضحا عليه .. فالحكاية ما زالت تعتصره من الداخل ، وتلح عليه أن يحكي حتى يستريح ..
تطلع حوله في شغف لعله تقع عينيه على أحد، بعد أن أغلق المحولجي علي نفسه الحجرة .. لمح علي بعد خطوات من يحكى له ، رآه مستندا بجسده إلى عمود الكهرباء ، لونه اسود بلون الليل ، يرقد متكورا واضعا رأسه بين قدميه ، نظر إليه منسي وقال :-
- كلب كلب مش مهم ، المهم أن أحكى قصتي ، يا صديقي لقد مات وشبع موت من زمان .. أقولك أحكى لك الحكاية من البداية .. فى اليوم الذي مات به ، رجعت من عملي متأخرا ، فى قطار الساعة" ستة" ، بالحق كانت ستة وربع .. بمجرد نزولي من القطار على الرصيف ، وجدت كل أهل القرية مرصوصين فى المحطة ، ينظرون ناحيتي بإشفاق ، ويتقدم زملائي ليواسوني .. وقتها انقبض قلبي وشعرت بالدم يطلق إلى نفوخى ، تيقنت بأن والدي مات .. سحت الدموع علي وجهي ، رغم أننا ننتظر موته منذ فترة ، ولكن الفراق صعب ، بعد بضع خطوات تيقنت من صدق شعوري ، وجدت نساء القرية متجمعين حول امى بجوار المحطة ، وهى تصرخ وتندب وتلطم ، وقتها خمنت بأنها جلست هنا لأنها مدافن القرية بالقرب من المحطة..
وقف " منسي " وهو يستدعي الكلب " يا صديقي اجلس حتى انتهي من الحكاية وأستريح .. صديقي تمشى وتتركني قبل أن أكمل لك ..
شعر الكلب بما يعانيه منسي .. توقف ونظر إليه
- وقتها جريت ناحية والدتي تاركا أهل القرية ، حتى أساعدها في العودة إلى دارنا ، ولكن بمجرد أن اقتربت منها ، وجدت بجوارها جرائد مغسولة بالدماء وملابس مفرودة فوق شيء ، شيء ايه يا صديقي لقد كان اخي الكبير وقد مزقه القطار بلا رحمة او شفقة .. من يومها شعري ابيض وامى أصابها الشلل ، ووالدي لم يزل يعيش حتى الآن ..
منقول عن الكاتب أحمد خيري
الفاجعة جعلت من ليالي " منسي " صورة متكررة .. وحدة .. قشعريرة .. خوف من النهار .. ولكن هذه الليلة تختلف .. فهي ذكري الكارثة السنوي ..
وحدة باردة متجمدة تعرضنا لها في أحيان عديدة .. أتذكر ليالي شبيه تعرضت فيها للفحة هواء باردة ، لسعتني وهي تخترق طريقها وصولا إلى عظامي .
زمجرة هواء يتلوي في حرية بين جنبات رصيف محطة القطار .. أسوارها تهدمت مع جانب من حائط حجرة الناظر.. اختلطت بصفير يصم الآذان قادم من ناحية غابات "الهيش" وأعواد الذرة وأعمدة الكهرباء والتلغراف الخشبية .. صفير يقشعر له الأبدان ، ويثير الكثير من الخوف والأفكار الشوءم.
كل تلك المثيرات تعرض لها " منسي" بمفرده .. وهو جالس متكور فوق الرصيف.. جلبابه ملىء بالرقع الملونة .. شعر رأسه اغتسل باللون الأبيض .. لحية الطويلة توحي لمن يراه بأنه رجل في الخمسين ، رغم انه لم يتعد بعد الثلاثين من عمره .
ظهرت علي ملامحه حالة من العصبية والقلق ، انعكست في لمعة عينيه الغائرتين .. وفي تشويح يديه وهو يقف فجأة في تحدي للرياح .. ضاغطا بأسنانه علي شفته السفلي .. سكت .. صمت .. حرك شفاهه بصعوبة .. كأنه يحمل سر الحياة ..
بحث عن احد يكلمه .. ولكن مع من يتكلم ؟؟
ليلتها خلت المحطة من المتسكعين ، ومحبي السهر المجاني من أهل القرية ، ممن لا يملكون ثمن كوب الشاي أو السحلب في غرزة المعلمة " بدرية" .. يستقر بهم المطاف وتقودهم أقدامهم إلى المحطة .. فلا احد بها يطلب ثمن الجلوس أو السهر .. حتى لو وجد المتسكعون ، فان " منسي " يشعر بينهم بالغربة .. بالتجريح .. فالعادة والفراغ جعلهم يجيئون لرصيف المحطة ، ليقضوا لياليهم بالتندر من منسي ومن حكايته التي حفظوها منذ زمن .. يسخرون أول الأمر ثم يتبرمون منه بعد ذلك ، ومع إلحاحه على ضرورة سماع قصته للنهاية ، ينصرفون تاركينه وحيدا .
فى تلك الليلة خلت المحطة مبكرا من هؤلاء المتسكعين على غير العادة.. ووجد "منسى" نفسه وحيدا مع رجل غريب " أهطل" و"غفير محطة" دائم النعاس والنوم ، و"محولجى" يغلق حجرته علي نفسه ، وبعض الكلاب الضالة ..
ظل يروح ويجيء فوق الرصيف وشفتاه ترتعشان كالمجنون ، وسط ضوء باهت .. خافت تسرب من مصباح عمود كهرباء تجمعت حوله الحشرات الطائرة ، ضوء لا يقوى على مجابهة العتمة الشديدة التي تحيط بالمكان .
الضوء الباهت والصمت المطبق علي المكان وزمجرة الرياح ، دفعوا " منسي " إلى أن يجثو على ركبتيه أمام الرجل "الأهطل" المستند بظهره على بقايا سور الرصيف ، كان مستندا منذ فترة طويلة قد تقاس بالشهور ، لم يعرف أهل القرية بالضبط من هو !! ومن أين جاء للقرية !! كل ما يعرفونه انه جاء إلى المحطة مع احد القطارات.
من شدة التأثر كان " منسي " يتحدث إلى الأهطل بكل جدية ودأب .. رغم الابتسامة البلهاء المحفورة علي وجهه المغطي بالأتربة ، وعيناه الباردتين اللتين تظهران بالكاد من بين شعر كثيف .. كل ذلك لم يكن في حسبان "منسى" ، فكل ما يرعاه أحد يستمع إلي حكايته ، ويتظاهر معه بالتعاطف .
- من أسبوع مات وشبع موت - انهمك منسي في الكلام - أقولك أحكى لك الحكاية من الأول .. أنت طبعا لا تعرف والدي ، كبس المرض فوق صدره منذ فترة طويلة .. مرض الربو .. ومع الأيام زحف عليه مرض الطحال ، ومن سنتين استقر في المستشفى ،لا يسمحون بخروجه إلا أسبوع واحد في الشهر والأعياد والمواسم .. أهل قريتنا طيبين في البداية كانوا يزوروه ، وبعد فترة ملوا ونسوه ، وحينما كانت تأتي سيرته أمامهم ، يدعون الله بان يخلصه من هذا العذاب ، وطبعا أنت فاهم الخلاص يعنى إيه.
فجأة أنفعل "منسى" على "الأهطل" بعد أن أنهمك مبتعدا عنه في مطاردة الناموس من فوق وجهه ..
- بعدين يا أخي اسكت .. اصمت وأترك الناموس ، أحنا وصلنا عند أيه .. أمي كانت مثل أهل القرية طيبة ، رغم طول لسانها والزعيق المستمر إلى والدي فى الفاضي والمليان .. في أول مرضه كانت تصاحبه إلى المستشفى الموجودة "بالبندر" ، وبعد أن تقرر مكوثه فيها طويلا ، كانت تدبح الفراخ والبط وترسله مع أخي الكبير " المحولجي " ، ومع طول فترة العلاج أصبحت لا تخاطر بالأكل والفلوس ، وتزوره كل فترة مثل أهل القرية .
شعر منسي أن الأهطل لا يعيره ادني اهتمام ، بعد أن لاحظ اتساع الابتسامة المحفورة في وجهه، التي أخذت تكبر وتكبر حتى ملأت وجهه ، وهو يقوم بكل جديه في اصطياد الناموس والحشرات من فوق وجهه وشعره الملبد بالطين ..
نهض من مكانه بعد أن اقسم بأن يترك الأهطل وحيدا فى هذا البرد القارص .. اخذ يتطلع حوله لعله يجد من يستمع إلى حكايته بتعاطف ، تلفت حتى لمح غفير المحطة ، جالس بجوار حجرة الناظر الملاصقة للمصلية ، وبقايا نار تتهادى أمامه وبندقيته القديمة المتهالكة ملقاة بجواره على كومة من القش .
حينما رآه الغفير وهو يتجه ناحيته ، بادرة بقوله :-
- مش عاوز وجع دماغ الليلة ، أنا محتاج أنام شوية.
امتعض منسى وقال :-
- انا لن اوجع دماغك ، انا سوف احكى لك حكايتي .
لم يرد عليه الغفير ، لأن حالة من الاسترخاء كانت تنساب فى جسده الفارع ، جعلته يمدد ساقيه أمامه ، ويميل رأسه الضخمة على جدار حجرة الناظر ، مستسلما لنوبة النوم .. بينما أخذ منسي يحكي..
- لقد مات وشبع موت ، أقولك احكي لك الحكاية من البداية ، أنت عارف اخوي الكبير ، كان يشتغل معك في محطة القطار " محولجى" ، كان قلبه طيب زى الحليب ، رغم تكشيرة وجهه وجسمه الممتلئ .. ترك المدرسة واشتغل لكي يساعد ويساند والدي في مصاريفنا .. حصلت على شهادة الدبلوم واشتغلت فى البندر القريب من قريتنا.
شخط منسي في الغفير " اصحي يا آخى أنت نمت ولا اية " .. بصعوبة رفع جفنيه ..
- اخويا كان يغضب من أمي ، من زعيقها المستمر لوالدي المريض .. حاول منعها من الذهاب والمبيت فى المستشفى.. كان يرعاه بالنهار فترة تواجدي فى عملي ، وفي الليل يذهب هو إلى شغله بمحطة القطار .. كان أهل القرية يحبونه رغم صغر سنه ... اصحي يا أخي نمت .
نهض منسى من مكانه ، والقلق ما زال واضحا عليه .. فالحكاية ما زالت تعتصره من الداخل ، وتلح عليه أن يحكي حتى يستريح ..
تطلع حوله في شغف لعله تقع عينيه على أحد، بعد أن أغلق المحولجي علي نفسه الحجرة .. لمح علي بعد خطوات من يحكى له ، رآه مستندا بجسده إلى عمود الكهرباء ، لونه اسود بلون الليل ، يرقد متكورا واضعا رأسه بين قدميه ، نظر إليه منسي وقال :-
- كلب كلب مش مهم ، المهم أن أحكى قصتي ، يا صديقي لقد مات وشبع موت من زمان .. أقولك أحكى لك الحكاية من البداية .. فى اليوم الذي مات به ، رجعت من عملي متأخرا ، فى قطار الساعة" ستة" ، بالحق كانت ستة وربع .. بمجرد نزولي من القطار على الرصيف ، وجدت كل أهل القرية مرصوصين فى المحطة ، ينظرون ناحيتي بإشفاق ، ويتقدم زملائي ليواسوني .. وقتها انقبض قلبي وشعرت بالدم يطلق إلى نفوخى ، تيقنت بأن والدي مات .. سحت الدموع علي وجهي ، رغم أننا ننتظر موته منذ فترة ، ولكن الفراق صعب ، بعد بضع خطوات تيقنت من صدق شعوري ، وجدت نساء القرية متجمعين حول امى بجوار المحطة ، وهى تصرخ وتندب وتلطم ، وقتها خمنت بأنها جلست هنا لأنها مدافن القرية بالقرب من المحطة..
وقف " منسي " وهو يستدعي الكلب " يا صديقي اجلس حتى انتهي من الحكاية وأستريح .. صديقي تمشى وتتركني قبل أن أكمل لك ..
شعر الكلب بما يعانيه منسي .. توقف ونظر إليه
- وقتها جريت ناحية والدتي تاركا أهل القرية ، حتى أساعدها في العودة إلى دارنا ، ولكن بمجرد أن اقتربت منها ، وجدت بجوارها جرائد مغسولة بالدماء وملابس مفرودة فوق شيء ، شيء ايه يا صديقي لقد كان اخي الكبير وقد مزقه القطار بلا رحمة او شفقة .. من يومها شعري ابيض وامى أصابها الشلل ، ووالدي لم يزل يعيش حتى الآن ..
منقول عن الكاتب أحمد خيري
أروع ما قرأت
سألني صديقي ونحن على شاطئ البحر عند الغروب ،
لماذا تحب القهوة وألحظك تتذوقها بمتعة تُحسد عليها ؟؟؟
أجبته :ربما لأن في القهوة الكثير من المرأة والحب .
قال : كيف ؟
قلت : تعال نستعرض الأمر وحدة وحدة ...وشفة شفة ...
قال : كلي آذان صاغية ، هات يافيلسوف القهوة
قلت : المرأة كالقهوة والقهوة كالمرأة ... أذواق
بعضنا يحبها حلوة ... وبعضنا يحبها مُرّة
بعضنا يحبها خفيفة ... وبعضنا يحبها ثقيلة
بعضنا يحبها وسط ... وبعضنا يحبها عالريحة
البعض يحبها مغلية ... والبعض يحبها مزبوطة
آخر يحبها رائقة ... وآخر يحبها وعلى وجهها قشوه
واحد يحبها ساخنة ... والثاني يحبها فاترة
الثالث يشربها شفة شفة ... والرابع يشربها شفطاً
الخامس تسمع صوته وهو يشفها ... والسادس يذوقها على الساكت
ضحك وقال : صحيح والله صحيح ... أكمل ... جعلتني أعشق القهوة
قلت : ناس يشربونها بفنجان كبير ... وناس يشربونها بفنجان صغير
ناس يمسكون الفنجان من وسطه ... وناس يمسكونه من أذنه
ناس يشربون الفنجان كاملاً ... وناس لا يشربون إلاّ نصف الفنجان
ناس يشربون القهوة ويكتفون ... وناس يحملونها معهم في الترموس
ناس يشربونها في كل مكان ... وناس لا يشربونها إلاّ في بيوتهم
رجل يحب القهوة إفرنجية ... ورجل يحبها عربية
رجل يحبها نسكافيه ... وآخر يحبها كافي وبس
واحد يحبها مع حب الهيل ... وآخر يحبها كلها حب هيل ... والباقي لا حب ولا هيل
البعض يريدها على الطريقة الفرنسية ... آخرون على الطريقة التركية
لباقي على الطريقة العربية البحتة
الدنيا أمزجة .....
هناك من لا يشرب القهوة إلاّ إذا عرف نوع البن ...
هناك من يشربها كيفما كان البن
هناك من يبحث في البن عن ماركته العالمية ... وهناك من لا يهمه من البن إلاّ نكهته الأصلية
هناك من يشتري البن ليحمصه على يده ... وهناك من يشتريه مطحوناً خالصاً
هناك من يشتري كيس البن مقفلاً ... وهناك من يشتري كيس البن مفتوحاً
وبعد أن يشربوا القهوة ينقسمون إلى قسمين ...
قسم يهوى قراءة الفنجان ليعرف الأسرار ويفك الرموز ،
وقسم يضحك على القارئين...
لأن رواسب القهوة مثل بعض النساء لغز لا سبيل إلى حله أبداً أبداً ،
قاطعني وقال : ولكن هناك نساء يدّعِين معرفتهن بقراءة الفنجان ؟؟
قلت : طبعاً ... لأنه لا يفهم المرأة إلاّ المرأة ...
ولا تنسى ياصديقي أنه وبرغم محبتنا للقهوة
لا بد أن نفهم أن الإفراط في كل شيء ضار !!!! إلاّ في الحب ...
فالإنسان كلما أفرط فيه أحس بجمال الدنيا وروعة العمر وخفايا نفسه ...
سألني : وأنت يا عاشق القهوة كيف تحب القهوة ؟
قلت : أحبها مزبوطة لا حلوة كالقطر ولا مُرّة كالحنظل
سألني : مغلية أم عكرة ؟
قلت : مغلية جداً
سألني : رائقة أم على وجهها قشوة ؟
قلت : رائقة جدا
سألني : وإذا جاءتك ً وعلى وجهها قشوة ؟
قلت : انفخ أو أمسح القشوة عنها حتى يعود إليها صفاؤها
سألني : وكيف تشربها شفة شفة أم شفطاً ؟
قلت : الذين يشربون القهوة شفطاً هم الناس العاديين
الذين لا يُحْسِنون الاستمتاع بلذة الأشياء ...
أما الذين يشربونها شفة شفة فهم الفنانون الملهمون المقدرون لعظمة البن
قال : وهل يسمع الناس صوتك وأنت ترشف القهوة ؟
قلت : كانوا يسمعون صوتي عندما كنت صغيراً
... أما الآن ... فلا يسمع حفيف فمي إلاّ فنجاني وحده
قال : وكيف تُمسك بالفنجان ؟
قلت : من وسطه
قال : لماذا لا تمسك به من أذنه ؟
قلت : أبداً ... فالفنجان كالزئبق الذي إذا تركته في راحتك استقر في راحتك ،
أما إذا ضغطت عليه تسلل من بين أصابعك
سألني : وهل تشرب القهوة في كل مكان أم تشربها في بيتك وحده ؟
قلت : قد لا أشربها في بيتي وحده ،ولكنني لا أشربها في كل مكان
قال : أين تشربها إذن ؟
قلت : حيث يكون فنجاني
قال : وكيف تفضل القهوة : عربية أم افرنجية ؟
قلت : أفضلها حيث أحبها ،فالوطن هو الحبيب والحبيب هو الوطن !
سألني : والبن هل تفضل أن تحمصه على يدك أم تشتريه مطحوناً خالصاً ؟
قلت : أحمصه على يدي حتى إذا احترق كنت أنا المسؤول الأول والأخير
قال : ولماذا يحترق ! ألا تُحسن التحميص ؟
قلت : مامن محمصاني إلاّ ويخطئ حتى ولو كان أمهر الطهاة
سأل : وهل أنت من هواة قراءة الفنجان ؟
قلت : أنا من هواة الدراسة
قال : وهل تخرجت من المدرسة ؟
قلت : أبداً ،لا زلت تلميذاً مجتهداً في معهد القهوة
لا أُريد أن أنتقل من صف لصف حتى لا أصل إلى التخرج !!!
قال : ها وبعدين ؟؟
قلت : القهوة هي المرأة والمرأة هي الحب والحب هو المرأة
وكلاهما كافيين الحياة ولذة الوجود
صدقني لذة الرجل عندما يشتعل بالقهوة طائعاً مستسلماً وسعيداً . ...
لماذا تحب القهوة وألحظك تتذوقها بمتعة تُحسد عليها ؟؟؟
أجبته :ربما لأن في القهوة الكثير من المرأة والحب .
قال : كيف ؟
قلت : تعال نستعرض الأمر وحدة وحدة ...وشفة شفة ...
قال : كلي آذان صاغية ، هات يافيلسوف القهوة
قلت : المرأة كالقهوة والقهوة كالمرأة ... أذواق
بعضنا يحبها حلوة ... وبعضنا يحبها مُرّة
بعضنا يحبها خفيفة ... وبعضنا يحبها ثقيلة
بعضنا يحبها وسط ... وبعضنا يحبها عالريحة
البعض يحبها مغلية ... والبعض يحبها مزبوطة
آخر يحبها رائقة ... وآخر يحبها وعلى وجهها قشوه
واحد يحبها ساخنة ... والثاني يحبها فاترة
الثالث يشربها شفة شفة ... والرابع يشربها شفطاً
الخامس تسمع صوته وهو يشفها ... والسادس يذوقها على الساكت
ضحك وقال : صحيح والله صحيح ... أكمل ... جعلتني أعشق القهوة
قلت : ناس يشربونها بفنجان كبير ... وناس يشربونها بفنجان صغير
ناس يمسكون الفنجان من وسطه ... وناس يمسكونه من أذنه
ناس يشربون الفنجان كاملاً ... وناس لا يشربون إلاّ نصف الفنجان
ناس يشربون القهوة ويكتفون ... وناس يحملونها معهم في الترموس
ناس يشربونها في كل مكان ... وناس لا يشربونها إلاّ في بيوتهم
رجل يحب القهوة إفرنجية ... ورجل يحبها عربية
رجل يحبها نسكافيه ... وآخر يحبها كافي وبس
واحد يحبها مع حب الهيل ... وآخر يحبها كلها حب هيل ... والباقي لا حب ولا هيل
البعض يريدها على الطريقة الفرنسية ... آخرون على الطريقة التركية
لباقي على الطريقة العربية البحتة
الدنيا أمزجة .....
هناك من لا يشرب القهوة إلاّ إذا عرف نوع البن ...
هناك من يشربها كيفما كان البن
هناك من يبحث في البن عن ماركته العالمية ... وهناك من لا يهمه من البن إلاّ نكهته الأصلية
هناك من يشتري البن ليحمصه على يده ... وهناك من يشتريه مطحوناً خالصاً
هناك من يشتري كيس البن مقفلاً ... وهناك من يشتري كيس البن مفتوحاً
وبعد أن يشربوا القهوة ينقسمون إلى قسمين ...
قسم يهوى قراءة الفنجان ليعرف الأسرار ويفك الرموز ،
وقسم يضحك على القارئين...
لأن رواسب القهوة مثل بعض النساء لغز لا سبيل إلى حله أبداً أبداً ،
قاطعني وقال : ولكن هناك نساء يدّعِين معرفتهن بقراءة الفنجان ؟؟
قلت : طبعاً ... لأنه لا يفهم المرأة إلاّ المرأة ...
ولا تنسى ياصديقي أنه وبرغم محبتنا للقهوة
لا بد أن نفهم أن الإفراط في كل شيء ضار !!!! إلاّ في الحب ...
فالإنسان كلما أفرط فيه أحس بجمال الدنيا وروعة العمر وخفايا نفسه ...
سألني : وأنت يا عاشق القهوة كيف تحب القهوة ؟
قلت : أحبها مزبوطة لا حلوة كالقطر ولا مُرّة كالحنظل
سألني : مغلية أم عكرة ؟
قلت : مغلية جداً
سألني : رائقة أم على وجهها قشوة ؟
قلت : رائقة جدا
سألني : وإذا جاءتك ً وعلى وجهها قشوة ؟
قلت : انفخ أو أمسح القشوة عنها حتى يعود إليها صفاؤها
سألني : وكيف تشربها شفة شفة أم شفطاً ؟
قلت : الذين يشربون القهوة شفطاً هم الناس العاديين
الذين لا يُحْسِنون الاستمتاع بلذة الأشياء ...
أما الذين يشربونها شفة شفة فهم الفنانون الملهمون المقدرون لعظمة البن
قال : وهل يسمع الناس صوتك وأنت ترشف القهوة ؟
قلت : كانوا يسمعون صوتي عندما كنت صغيراً
... أما الآن ... فلا يسمع حفيف فمي إلاّ فنجاني وحده
قال : وكيف تُمسك بالفنجان ؟
قلت : من وسطه
قال : لماذا لا تمسك به من أذنه ؟
قلت : أبداً ... فالفنجان كالزئبق الذي إذا تركته في راحتك استقر في راحتك ،
أما إذا ضغطت عليه تسلل من بين أصابعك
سألني : وهل تشرب القهوة في كل مكان أم تشربها في بيتك وحده ؟
قلت : قد لا أشربها في بيتي وحده ،ولكنني لا أشربها في كل مكان
قال : أين تشربها إذن ؟
قلت : حيث يكون فنجاني
قال : وكيف تفضل القهوة : عربية أم افرنجية ؟
قلت : أفضلها حيث أحبها ،فالوطن هو الحبيب والحبيب هو الوطن !
سألني : والبن هل تفضل أن تحمصه على يدك أم تشتريه مطحوناً خالصاً ؟
قلت : أحمصه على يدي حتى إذا احترق كنت أنا المسؤول الأول والأخير
قال : ولماذا يحترق ! ألا تُحسن التحميص ؟
قلت : مامن محمصاني إلاّ ويخطئ حتى ولو كان أمهر الطهاة
سأل : وهل أنت من هواة قراءة الفنجان ؟
قلت : أنا من هواة الدراسة
قال : وهل تخرجت من المدرسة ؟
قلت : أبداً ،لا زلت تلميذاً مجتهداً في معهد القهوة
لا أُريد أن أنتقل من صف لصف حتى لا أصل إلى التخرج !!!
قال : ها وبعدين ؟؟
قلت : القهوة هي المرأة والمرأة هي الحب والحب هو المرأة
وكلاهما كافيين الحياة ولذة الوجود
صدقني لذة الرجل عندما يشتعل بالقهوة طائعاً مستسلماً وسعيداً . ...
الصداقة
الصحراء ،
وخلال الرحلة تجادل الصديقان
فضرب احدهما الاخر
على وجهه.
الرجل الي انضرب على وجهه تألم
ولكن دون ان ينطق
بكلمة واحدة كتب على
الرمال
(اليوم اعز اصدقائي ضربني على وجهي).
استمر الصديقان في مشيهما الى ان وجدوا واحة فقرروا ان يستحموا .
الرجل الذي انضرب على وجهه
علقت قدمه في ا...لرمال المتحركة وبداء بالغرق
،
ولكن صديقه امسكه وانقذه من الغرق.
وبعد ان نجى
الصديق من الموت
قام وكتب على قطعة من الصخر
(اليوم اعز
اصدقائي انقذ حياتي) .
الصديق الذي ضرب صديقه وانقذه من الموت
سأله : لماذا في المرة الاولى عندما
ضربتك كتبت على الرمال والان عندما
انقذتك كتب على الصخرة؟؟؟
فأجاب صديقه : عندما يؤذينا
احد علينا ان نكتب ما فعله على الرمال
حيث رياح
التسامح يمكن
لها ان تمحيها،
ولكن عندما يصنع احد معنا معروفاً
فعلينا ان
نكتب ما فعل معنا على الصخر
حيث لايوجد اي نوع من
الرياح يمكن ان تمحيها
...... !!!!!!
تعلموا ان تكتبوا
آلامكم على الرمال وان تنحتوا المعروف على الصخور.....
دين
الاسلام ديت تسامح ... تعلم ان تسامح من أخطأ فى حقكمشاهدة المزيد
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)